فصل: الثاني: في شروطه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الأول‏:‏ في أسباب الوجوب والطرق

أما الأسباب فستة‏:‏ النذر، وقتل الخطأ، والظهار، والحنث، واختلال النسك - وستأتي، وظهور الهلال‏.‏

وأما الطرق المثبتة للهلال، قال صاحب التلخيص‏:‏ هي ستة‏:‏ رؤية الإنسان لنفسه، والرؤية العامة والخاصة عند الحاكم، وخبر الواحد في موضع ليس فيه إمام أو فيه لكن لا يعني بأمور الناس، أو تنقل إلى بلد عما ثبت في بلد آخر على المشهور‏.‏

فروع سبعة‏:‏

الأول‏:‏ في الكتاب‏:‏ لا تقبل شهادة الواحد ويصوم وحده، فإن أفطر فعليه الكفارة، ويجب أن يعلم الإمام لعل غيره يوافقه‏.‏ قال سند‏:‏ إلا أن يكون عبدا أو فاسقا أو امرأة أو مجهولا لانعدام الفائدة، وفي الجواهر قيل‏:‏ يرفعه وإن كان لا يرجى قبول شهادته رجاء الاستفاضة، ويثبت بشهادة عدلين، ومنع سحنون إن كانت السماء مصحية والمصر كبير، ولا يثبت شوال إلا باثنين، ونقل صاحب التلخيص ثبوته بالواحد، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ يثبت رمضان بالواحد، وخصصه ‏(‏ح‏)‏ بالغيم، قال اللخمي‏:‏ جوز ابن الماجشون الصوم والفطر بخبر الواحد عن رؤية نفسه أو رؤية غيره؛ لقوله‏:‏ إن بلالا يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ‏.‏ فأجاز الصوم بخبر الواحد، وقال أبو الحسن‏:‏ وعلى هذا يجوز الفطر آخر النهار بخبر الواحد‏.‏

فإن قيل‏:‏ المؤذن كالوكيل للناس يخبرهم، قلنا‏:‏ يلزم إذا وكلوا من يترصد لهم الهلال أن يقبل وحده، وفي أبي داود‏:‏ قال ابن عمر‏:‏ ترا آى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه‏.‏

جوابه‏:‏ ليس فيه ما يمنع تقدم شهادة غيره فجاز تقدمه، ويعضده ما في الصحيحين‏:‏ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين، وإن شهد ذوا عدل فصوموا وأفطروا وانسكوا، وقياسا على شوال، وأما المؤذن فإنما قبل قوله في تعيين أول النهار، وإلا فالصوم معلوم الوجوب لابد منه، بخلاف اليوم الأول‏:‏ فإن الصوم منوط بالشاهد، قال سند‏:‏ فلو حكم الإمام بالصوم بالواحد لم يخالف - وفيه نظر؛ لأنه فتوى لا حكم‏.‏

تمهيد‏.‏

الأحكام على ثلاثة أقسام‏:‏ منها ما لا يثبت إلا بالشهادة كوجوب تنفيذ الدعاوى عند الحكام، وما يكفي فيه الواحد كالفتاوي من المجتهدين، وما اختلف في لحوقه بأحدهما كمخبر المصلي بعدد الركعات، ورمضان، وغيرهما، فما حكم الأول والثاني حتى يظهر الصواب في إلحاق الثالث بأيهما‏؟‏

قال المازري في شرح البرهان‏:‏ الحقوق منها عام في الأشخاص والأزمان كالفتيا فيقبل فيه الواحد لعدم التهمة في معاداة جملة الأئمة، وخاص لمعين كالدعوى عند الحاكم فيشترط العدد لدفع التهمة بعداوة الشاهد باطنا، ورمضان لا يعم الأزمان وإن عم البلدان فاجتمع فيه الشبهان، فوقع الخلاف في أيهما يغلب، وقوي انتفاء التهمة بمشاركة الشاهد في الحكم، وكذلك ضعفت التهمة في الصلاة لعدم تصور المصلي لكونه ساعيا في قربة، فأشبه الفتوى في عدم التهمة‏.‏

الثاني في الجلاب‏:‏ إذا ثبت رمضان في بلد من البلدان؛ لزم الصوم لكل بلد نقل إليهم‏.‏ وقال عبد الملك‏:‏ إن كان ثبوته بالاستفاضة حتى لا يكون من باب الحكم وإلا فلا يلزم، إلا أن يكون ثبوته عند الإمام لعموم حكمه، وفي أبي داود عن كريب‏:‏ أن ابن عباس سأله لما قدم من الشام عن هلال رمضان‏:‏ متى رأيتم الهلال‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ رأيته يوم الجمعة‏.‏ قال أنت رأيته‏.‏ قلت‏:‏ نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاويه‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى نكمل الثلاثين أو نراه‏.‏ فقلت له‏:‏ أفلا نكتفي برؤية معاوية‏؟‏ فقال‏:‏ لا هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏.‏ وأجاب المشهور عن هذا أن المدينة كانت مصحية ولم ير فيها، فقدمت المشاهدة على الخبر‏:‏ خبر كريب، ويكون ذلك معنى قوله‏:‏ هكذا أمرنا رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا نرجع عن اليقين إلى الظن، مع أن المشهور لا فرق بين أن يرصد مع الصحو أم لا، بل قضى بالثبوت مطلقا فيشكل الحديث‏.‏

قاعدة‏.‏

نصب الله تعالى الأوقات أسبابا للأحكام كالفجر والزوال ورؤية الهلال، كما نصب الأفعال أسبابا نحو السرقة والزنا، والأوقات تختلف بحسب الأقطار، فما من زوال لقوم إلا وهو فجر لقوم، وعصر لقوم، ومغرب لقوم ونصف الليل لقوم، بل كلما تحركت الشمس درجة، فتلك الدرجة بعينها هي فجر وطلوع شمس وزوال وغروب ونصف ليل ونصف نهار وسائر أسماء الزمان ينسب إليها بحسب أقطار مختلفة، وخاطب الله تعالى كل قوم بما يتحقق في قطرهم لا في قطر غيرهم، فلا يخاطب أحد بزوال غير بلدة ولا يفجره، وهذا مجمع عليه، وكذلك الهلال مطالعة مختلفة فيظهر في المغرب ولا يظهر في المشرق إلا في الليلة الثانية بحسب احتباسه في الشعاع، وهذا معلوم بالضرورة لمن ينظر فيه، ومقتضى القاعدة أن يخاطب كل أحد بهلال قطره، ولا يلزمه حكم غيره ولو ثبت بالطرق القاطعة، كما لا يلزمنا الصبح وإن قطعنا بأن الفجر قد طلع على من شرق عنا كما قاله ‏(‏ح‏)‏‏.‏ إلى هذا أشار البخاري في هذا الحديث بقوله‏:‏ بأن لأهل كل بلد رؤيتهم، ولو كان ذلك لم ينقل عن عمر بن الخطاب، ولا غيره من الخلفاء‏:‏ أنه كان يكتب إلى الأقطار، ويبعث البريد إني قد رأيت الهلال فصوموا، بل كانوا يتركون الناس مع مرئيهم فيصير حدا مجمعا عليه، ويشكل على هذا المشهور، وقول عبد الملك أيضا في قصره اللزوم على محل الولاية في الحكم دون الاستفاضة، ‏(‏وكذلك‏)‏ إذا ثبت عند الإمام الأعظم وحكم به بالشاهدين - إن حكم به على أهل قطره لا يتعداهم، أو على غيرهم فينبغي إلا ينفذ حكمه؛ لأنه حكم بغير سبب، وكل حكم بغير سبب لا يلزم ولا ينفذ‏.‏

الثالث‏:‏ في الكتاب‏:‏ لا يقبل في ذي الحجة إلا عدلان، قال سند‏:‏ إن رأى شوالا واحدا قال مالك‏:‏ لا يفطر سدا لذريعة المتهاونين‏.‏ وقال عبد الملك‏:‏ في الفطر بقلبه، وقال ابن القاسم‏:‏ يأكل بحيث لا يرى، وقال أشهب‏:‏ إن ظهر عليه في ولم يذكره قبل ذلك عوقب إن اتهم‏.‏ وقال ابن جنبل‏:‏ لا يفطر لعدم ثبوته واحتياطا للصوم‏.‏ لنا قوله‏:‏ وأفطروا لرؤيته - وقد رئي، قال أبو الطاهر‏:‏ إن لم يخف اتفاقا، وإن كان مسافرا أو له عذر فالمذهب الفطر؛ وان لم يكن له عذر وأمن من الاطلاع، فالمهشور لا يفطر سدا لذريعة المتهاونين‏.‏

الفطر لوجود السبب؛ فإن شهد على رمضان شاهدان، ولم‏.‏‏.‏‏.‏ مع الصحو فكمال العدة، قال مالك‏:‏ يكمل عدة شعبان خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ لو شهد واحد برمضان وآخر بشوال، قال يحيى بن عمر‏:‏ لا يفطر بشهادتهما لوجوب إكمال شعبان ورمضان بالبينة‏.‏ قال أبو الطاهر‏:‏ إن كانت شهادة الثاني بعد تسعة وعشرين من شهادة الأول لا تلفق لعدم اجتماعهما، أو بعد ثلاثين جرى تلفيقهما على الخلاف في تلفيق الشهادة على الأفعال‏.‏

الرابع‏:‏ في الجلاب‏:‏ لو رئي الهلال بعد الزوال فلليلة المستقبلة اتفاقا، أو قبله فللمستقبلة عند مالك و‏(‏ح وش‏)‏، وللماضية عند ابن حبيب، ووافق ابن حنبل في أول رمضان وخالف في آخره احتياط للصوم‏.‏ لنا أن في الحديث المتقدم رواية زيد فيها بعد‏:‏ وأفطروا لرؤيته فإنه يتم الهلال أول النهار فلا تفطروا حتى يشهد شاهدان أنهما رأياه بالأمس‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ سبب عدم رؤيته حصوله في شعاع الشمس، فربما تخلص منه في العصر فهو الهلال الصغير، وربما تخلص في الظهر أو قبله وهو الهلال الكبير؛ فإنه كلما بعد زمان التخلص نقص الهلال من الشمس، ولما كانت الأهلة تكبر وتصغر ويختلف زمان خروجها من الشعاع، ترجح البقاء على ما تقدم من صوم أو فطر عملا بالأصل، ولما كان الغالب تخلصه لليلة الآتية بعد الزوال؛ كانت رؤيته متخلصة قبله ليشعر تخليصه من الليلة الماضية، لا سيما أنه بعيد من الشمس جدا، فهذا سبب الخلاف‏.‏‏.‏‏.‏ قبل الزوال وبعده‏.‏

الخامس‏:‏ في الجلاب‏:‏ إذا أشهد عليه وجب الكف والقضاء، وعلى شوال وجب الفطر والصلاة؛ فإن كان بعد الزوال فلا يصلوا‏.‏

السادس‏:‏ قال سند‏:‏ لو توالى الغيم شهورا، قال مالك‏:‏ يكملون عدة الجميع حتى يظهر خلافه اتباعا للحديث ويقضون إن تيقن لهم خلاف‏.‏

إثبات الهلال بالحساب خلافا للداودي وبعض الشافعية‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ فإن غم عليكم فاقدروا له، فليس المراد تقدير سير القمر في المنازل؛ لقوله في مسلم‏:‏ فاقدروا له ثلاثين، والمطلق يحمل على المقيد، ولأن معناه‏:‏ اقدروا له قدره أي مقداره وهو ثلاثون؛ لذلك لا يجئ شهر تسعة وعشرين إلا ناقصا‏.‏

فائدة‏.‏

غم معناه خفي بغيم أو غيره، ومنه الغيم لإخفائه السماء، والغم؛ لأنه ساتر للقلب، والأغم مستور الجبه‏.‏

لا أعلم خلافا في إثبات أوقات الصلاة بالحساب في الآلات بالماء والرمل وغيرهما، وعلى ذلك أهل الأمصار في سائر الأعصار زمن الشتاء عند الأمطار والغيوم، فما الفرق‏؟‏

جوابه‏:‏ أن للإثبات أسبابا منصوبة، فإن علم السبب لزمه حكمه من غير شرع يتوقف عليه، بل يكفي الحس والعقل، وحصول الهلال خارج الشعاع ليس بسبب، بل ظهوره للحس، فمن تسبب له بغير البصر معتمدا على الحساب لم يوجد في حقه السبب فلا يرتب عليه حكم، ويدل على ذلك قوله تعالى في الصلاة‏:‏ أقم الصلاة لدلوك الشمس ‏.‏ وما قال صوموا للهلال، بل قال فمن شهد منكم الشهر فليصمه ‏.‏ فجعل السبب المشاهدة له دونه، قال سند‏:‏ فلو كان الإمام يرى الحساب فأثبت الهلال به لم يتبع لإجماع السلف على خلافه‏.‏

الثاني‏:‏ في شروطه

وهي تسعة، وهي كلها للوجوب إلا النية‏.‏

الشرط الأول‏:‏ البلوغ، وسيأتي صوم الصبيان في باب التطوع - إن شاء الله تعالى -‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ العقل، وفي الجواهر‏:‏ الجنون يمنع الصحة بخلاف استتاره بالنوم مطلقا أو‏.‏‏.‏‏.‏ بالإغماء على تفصيل يأتي، وفي الكتاب‏:‏ إن أغمي عليه جملة النهار أو أكثره لم يجزه صومه، وإن مضى أكثره قبل الإغماء أو أغمي عليه بعد الفجر إلى نصفه أو نام جميعه أجزأه، قال سند‏:‏ إن أغمي عليه قبل الفجر حتى طلع، فالمشهور عدم الإجزاء، قال ابن حبيب‏:‏ ولا يلزمه الكف، وقال أشهب‏:‏ يجزئه، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يجزئه مطلقا ولو أغمي عليه جملة الشهر؛ لأن ما لا يبطل الصوم قليله لا يبطله كثيره كالسفر والنوم، عكسه الحيض، وقال القاضي إسماعيل‏:‏ يسيره يفسده ولو في وسط النهار كالحيض، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ تكفي إفاقته في جزء من النهار لتحصل النية‏.‏

تمهيد‏.‏

الإغماء يشبه النوم من جهة عدم العقل، ويشبه الحيض؛ لأن كلا منهما مناف للصلاة، فمن غلب شبه النوم لم يبطل مطلقا، أو شبه الحيض أبطل مطلقا، ومن سوى رجح بأمر خارج وهو أكثرية النهار وأن لا يصادف أول أجزاء العبادة؛ فإن عدمه شرط، وشأن الشرط التقدم على أول الإجزاء، ومنهم من لاحظ وجود النية فقط مع تجويز إيقاعها عنده في النهار‏.‏ قال اللخمي‏:‏ والحكم في الجنون قبل الفجر أو بعده أيسر النهار أو أكثره مثل الإغماء وفاقا وخلافا، وهذا خلاف ما في الجواهر والجلاب والتنبيه لأبي الطاهر، فإنهم قسموا الإغماء ولم يقسموا الجنون، ووافقهما صاحب التلقين فقال‏:‏ الجنون والإغماء يمنعان من ابتداء الصوم، وقد يمنعان من استصحابه على وجهه، قال ابن القاسم‏:‏ لا يعتبر في الإغماء المرض، وقال ابن الماجشون‏:‏ إن كان مرض أجزأه ولو طلع الفجر عليه كذلك، قال اللخمي‏:‏ ولو طلع الفجر على من أذهب عقله السكر لم يجزه صوم ذلك اليوم، ولا يجوز له فطر بقيته، وفي الكتاب‏:‏ لو بلغ مطبقا سنين قضى الصوم دون الصلاة، ولا يقضي عند ‏(‏ح وش‏)‏ كالصبا‏.‏ لنا أنه مرض فيندرج في قوله تعالى‏:‏ فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ‏.‏ قال سند‏:‏ وكذلك لو بلغ عاقلا ثم جن، وفي الجلاب قال عبد الملك فيما أظنه‏:‏ إن بلغ مجنونا فلا قضاء عليه لاستقرار عدم التكليف عليه، وإذا قلنا بالقضاء، قال مالك‏:‏ إنما يقضي مثل الخمس سنين، فأما العشرة فلا لكثرة المشقة، قال أبو الطاهر‏:‏ إن بلغ غير مطبق وقلت السنون، وجب القضاء بلا خلاف، وإن كثرت السنون، ففي المذهب ثلاثة أقوال‏:‏ القضاء مطلقا وهو المشهور، ونفيه مطلقا، ونفيه مع كثرة السنين نحو العشرة‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ الإسلام، وكونه شرطا في الوجوب يتخرج على كونهم مخاطبين بالفروع‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ من أسلم في رمضان فليس عليه قضاء ما مضى منه، والأحسن قضاء يوم إسلامه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ الإسلام يجب ما قبله ‏.‏

الشرط الرابع‏:‏ الطهارة من الحيض بخلاف الجنابة؛ لقوله تعالى‏:‏ فالآن باشروهن - إلى قوله تعالى - حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ‏.‏، ولولا ذلك لوجب الإمساك قبل الفجر للغسل، وفي الموطأ‏:‏ كان - صلى الله عليه وسلم - ليصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان ثم يصوم ‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إن رأت الطهر قبل الفجر اغتسلت بعده وأجزأها الصوم، وإلا أكلت ذلك اليوم‏.‏ قال سند‏:‏ قال ابن مسلمة‏:‏ إن أخرته بتفريط لم يجزها، وقيل‏:‏ لا يجزيها بحال تسوية بين الصلاة والصوم‏.‏ وقال مالك أيضا‏:‏ إن أمكنها الغسل فلم تفعل‏.‏‏.‏‏.‏، وإن كان الوقت ضيقا لا يسع فلا؛ لأن التمكن من الطهارة شرط في الصلاة؛ فيكون شرطا في الصوم، وقيل‏:‏ تصوم وتقضي احتياطا‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إن شكت في تقدم الطهر قبل الفجر صامت وقضت‏.‏ قال‏:‏ قال الباجي‏:‏ من الأصحاب من قال‏:‏ هذه رواية بأن الحيض لا تقطع النية السابقة، ومنهم من قال بل رواية في جواز الصوم بنية من النهار، قال سند‏:‏ وليس كذلك، فإن مالكا لم يعين ذلك وسط الشهر فيصح الأول، ولا قال يجزيها الصوم فيصح الثاني، بل يحتمل أن يريد بالصوم الإمساك فلم يخالف أصله‏.‏

الشرط الخامس‏:‏ القدرة، قال اللخمي‏:‏ المرض أربعة أقسام‏:‏ خفيف لا يشق معه الصوم، وشاق لا يتزيد بالصوم، وشاق يتزيد أو تنزل علة أخرى، وشاق يخشى طوله بالصوم؛ فحكم الأول كالصحيح، والثاني التخيير بين الصوم والفطر، والثالث والرابع ليس لهما الصوم، فإن صاما أجزأهما‏.‏ والضعيف البنية إن لم يجهده الصوم لزمه، وإن أجهده فقط كان مخيرا، أو خاف حدوث علة لم يكن له الصوم، ولا قضاء إن أفطر ما دام كذلك، فإن تغيرت حالته قضى، وكذلك الشيخ الكبير‏.‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ إن قدر على الصيام من غير جهد إلا أنه يخشى التزيد بالصوم، فقال ابن القاسم‏:‏ يجوز له الفطر، وقيل‏:‏ لا يجوز لقدرته على الصوم، قال والأول أصح‏.‏

الشرط السادس‏:‏ الزمن القابل للصوم، قال اللخمي‏:‏ الأيام المنهي عن صيامها ثمانية‏:‏ الفطر، والنحر، وأيام منى، وأيام الشك، والجمعة، والسبت‏:‏ أن يخص أحدهما بصيام‏.‏ أما العيدان فبالإجماع، وأما أيام منى فيجوز مالك صيامها؛ لما في الصحيحين‏:‏ نهى - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم الفطر والأضحى ‏.‏ ومفهومه جواز ما عداهما، ولإجماع المذهب على صومهما للمتمتع، بخلاف يوم ‏[‏العيد‏]‏‏.‏ وأجاز في المدونة الرابع فقط؛ لأن للمتعجل أن يسقطه، وقال أشهب‏:‏ يفطر جميعها وإن‏.‏‏.‏‏.‏، وفي الترمذي‏:‏ لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، وفي الصحيح النهي عن تخصيص الجمعة بصيام‏.‏

تنبيه‏:‏

الصوم يوم العيد لا ينعقد قربة، والصلاة تنعقد قربة في الدار المغصوبة، والجميع محرم ومنهي عنه، فالفرق أن المنهي عنه تارة تكون العبادة الموصوفة بكونها في المكان أو الزمان أو في حالة من الحالات فيفسد؛ لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، وتارة يكون المنهي عنه هو الصفة المقارنة للعبادة فلا يفسد، والعبادة يتعلق النهي بوصف خارج عن العبادة، والمباشر بالنهي في صوم العيد هو الصوم الموصوف بكونه في اليوم، ولفظ الحديث يشهد لذلك، والمباشر للنهي في الصلاة في الدار المغصوبة إنما هو الغاصب، ولم يرد نهي في الصلاة المقارنة للوصف بل في الغصب فقط، والقضاء على الصفة لا ينتقل للموصوف ولا بالعكس، كما يصح أن يقال‏:‏ شرب الخمر مفسدة، ولا يصح أن يقال‏:‏ شارب الخمر مفسدة، كما لا يصح أن يقال‏:‏ شارب الخمر ساقط العدالة، فظهر أن أحكام الصفات لا تنتقل إلى الموصوفات، وظهر أن النهي في الصوم عن الموصوف، وفي الصلاة عن الصفة، وظهر الفرق، وهذه قاعدة يتجه ‏[‏بها‏]‏ كثير من الفروع في أبواب الفقه وموارد الشرع‏.‏

الشرط السابع‏:‏ النية، وفي الجواهر‏:‏ يشترط فيها أن تكون معينة لخصوص الصوم الذي شرع فيه مبيتة من الليل، جازمة من غير تردد، وفي هذه القيود فروع ستة‏:‏

الأول‏:‏ في الكتاب‏:‏ إن اعتقد أول رمضان من شعبان يكف ويقضى، وإن أكل بعد علمه لم يكفر إلا أن يفعله منتهكا وهو يعلم ما يلزم المنتهك، أما الإمساك فلقوله‏:‏ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ‏.‏ فإنه يدل على وجوب الإمساك صوما شرعيا، ‏[‏ولما‏]‏ بطل كونه شرعيا أيضا بقي الأصل الإمساك، وفي أبي داود‏:‏ إن أسلم أتوه - صلى الله عليه وسلم - فقال‏:‏ أصمتم يومكم هذا‏؟‏ فقالوا‏:‏ لا، فقال‏:‏ أتموا بقية يومكم واقضوا ‏.‏

وأما القضاء فعليه إن أكل أو لم يأكل، قال عبد الملك في المبسوط و‏(‏ح‏)‏‏:‏ يكف ويجزئه؛ لأن شهود الهلال سبب الصوم الواجب ولم يتأت له فيجب عليه قضاؤه توقيتا بالسبب‏.‏

الثاني‏:‏ أن النية واجبة لرمضان، ويمنع‏.‏‏.‏‏.‏ إذا تعين الصوم وكان مقيما صحيحا‏.‏ لنا قوله - صلى الله عليه وسلم - في النسائي‏:‏ لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ‏.‏ وقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ الأعمال بالنيات المسافر، والمريض، والقاضي‏.‏ قال سند‏:‏ ولا تصح عند مالك و‏(‏ش‏)‏ إلا من ليلته، لا قبلها ولا بعدها، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏تجزئ قبل الزوال في كل معين كرمضان والنذر وشبهه، وقال ابن الماجشون‏:‏ وابن‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إذا لم يأكل ولم يشرب بعد الصباح ثم تحقق رمضان أمسك وأجزأه ولا يقضي؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء أن من أكل منكم فيمسك بقية نهاره، ومن لم يأكل فليصم ‏.‏ وجوابه منع وجوب اليوم، وليس فيه عدم تقدم النية‏.‏ لنا أن النية شرط لما تقدم، وتقدم بعض المشروط على الشرط محال، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يكفي مطلق النية في رمضان في الحضر، وفي كل صوم معين حتى لو نوى التطوع وقع فرضا لحصول التعيين بالزمن، وقياسا على طواف الإفاضة‏.‏ وجوابه‏:‏ أن الحج صعب‏.‏‏.‏‏.‏ صح فيه، ولذلك لم يشرع في العمر إلا مرة، والمعارضة بالقياس على الصلاة‏.‏

تمهيد‏.‏

قد تقدمت في الطهارة مباحث، وأنها إنما شرعت لتمييز العبادات عن العادات، أو لتميز مراتب العبادات في نفسها، فمتى حصل التمييز استغني عنها، وهذا الشرط هو الذي لاحظ‏.‏‏.‏‏.‏ التمييز حاصل لهذه العبادة بزمأنها ولا تقع إلا على وجه واحد‏.‏‏.‏‏.‏ يتعين زمانه؛ فلذلك حصل الاتفاق على تعسيين النية، والأظهر استمرار إبقاء زمانها إلى الفجر؛ لأن الأصل مقارنة النية لأول أجزاء المنوي، وقيل‏:‏ تتقدم قبل الفجر وتجزئ لقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ‏.‏ ولا تعاد بالنوم والأكل بعدها خلافا لبعض الشافعية؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر‏)‏‏.‏ ويكفي في رمضان نية، واحدة عند مالك وابن حنبل خلافا لـ ‏(‏ح وش‏)‏؛ لأن قوله تعالى ‏(‏فمن شهد منكم الشهر فليصمه‏)‏، يقتضي صومه ليلا ونهارا وأنه عبادة واحدة تجزي بنية واحدة، خصص الليل، وبقي ما عداه على الأصل؛ ولقوله‏:‏ لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ‏.‏ ومقتضاه إجزاء رمضان‏.‏‏.‏‏.‏ بنية، واحدة لعموم الألف واللام خصص ما عدا الشهر بالإجماع، فيبقى الشهر‏.‏

تمهيد‏.‏

المنوي ثلاثة‏:‏ عبادة متحدة لا يتخللها شيء تكفي فيها نية واحدة إجماعا، وعبادة يمكن أن يتخللها غيرها من جنسها وغير جنسها‏.‏‏.‏‏.‏ فتتعدد نياتها اتفاقا، وعبادة يمكن إن يتخللها غير جنسها فقط كأيام رمضان فإنه يتخللها الصلاة‏.‏‏.‏‏.‏ والذكر دون الصوم، فأشبهت العبادة الواحدة من جهة عدم تخلل الجنس، والعبادات من جهة تخلل غير الجنس، فالشبهان منشأ الخلاف بين العلماء، وألحق مالك الصوم المتتابع برمضان بجامع التتابع‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ وكذلك من شأنه سرد الصوم، قال الأبهري‏:‏ ذلك استحسان، والقياس التجديد‏.‏

وقال اللخمي فيما لا تجب متابعته كصوم المسافر، وما لا تجب متابعته كصوم الاثنين والخميس ثلاثة أقوال‏:‏ ثالثها‏:‏ يجزئ في الأول دون الثاني، قال سند‏:‏ وإذا سافر في رمضان ففي احتياجه لتبييت النية في كل ليلة قولان، وفي التلقين‏:‏ لا تنقطع نيته بطرو السفر؛ لأنها وقعت وقت التحتم، وتنقطع إذا وقعت في السفر وطرأت الإقامة لوقوعها حالة عدم التحتم، وإذا سها عن الصوم المتتابع وأصبح ينوي الفطر، قال ابن الماجشون‏:‏ صح، وقال أشهب‏:‏ لا تجزيه، كمن خرج من فرض الصلاة إلى نفلها، والحيض يوجب تجديد النية؛ لأنها تبطل الفعلية فأولى الحكمية‏.‏

الثالث‏:‏ في الكتاب‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا نوى برمضان أداء الحاضر وقضاء الخارج أجزأه وعليه قضاء الآخر، وقاله ‏(‏ح وش‏)‏‏.‏ ولو نوى بحجته نذره وفرضه أجزأه لنذره وقضاء فرضه؛ لأنه أوجبها عند الله تعالى‏.‏ قال صاحب النكت‏:‏ اختلف في كسر الخاء من الآخر وفتحها، والفتح الصواب، والفرق أن رمضان شهر‏.‏‏.‏‏.‏، وقد عينه الشرع للحاضر فيكون القصد للآخر قصدا للمحال المستحيل،‏.‏‏.‏‏.‏ والحج على التراخي، ويكون عليه الإطعام لتأخير القضاء، وعلى القول الآخر لا إطعام عليه؛ لأنه لم يحل بينه وبين القضاء صوم، وإذا صام رمضان وشعبان عن ظهاره لا يجزئه رمضان؛ لفرضه ولا لظهاره‏.‏

والفرق أنه هاهنا صامه عن جنسه وأجزأه لتقاربهما، بخلاف الظهار، قال سند‏:‏ حجة الإجزاء عن الخارج أن الصومين في الذمة، والمكلف هو المعين كالديون إلا أن أحدهما عين له الزمان، ومع ذلك فهو قابل لهما، كوقت الصلاة إذا ضاق فإنه يتعين لها ويصح فيه غيرها من الصلاة، وإذا قبلهما فأولاهما بالقضاء أوجبهما، وقال أشهب‏:‏ لا يجزئ عن واحد منها؛ لأنه لا يجزئ عليهما إجماعا، وليس أحدهما أولى من الآخر، فقياسا على ما إذا أحرم لحاضرة وفائتة‏.‏‏.‏‏.‏ عن نذره، وفرضه لم يجزه عن واحد منهما؛ لأن رمضان لا يقبل غيره، وهو لم يبق وقاله ‏(‏ش‏)‏؛ وحيث قلنا لا يجزيه عن فرضه، فالظاهر أنه لا كفارة عليه في فرضه، وقال ابن المواز‏:‏ يكفر كفارة المتعمد‏.‏

الرابع‏:‏ قال صاحب النكت‏:‏ من رفض صيامه أو صلاته كان رافضا، بخلاف رفض الإحرام والوضوء بعد كماله أو في خلاله، والفرق أن النية مرادة للتمييز، والحج والوضوء مميزان بمكانيهما المتعبد بهما، والصلاة والصيام لم يعين لهما مكان، فكان احتياجهما إلى النية أقوى وأثر الرفض فيهما‏.‏

الخامس‏:‏ في الكتاب‏:‏ النهي عن صوم يوم الشك أول رمضان، وقاله ‏(‏ح وش‏)‏ خلافا لابن حنبل للتردد في النية، وكان ابن عمر يصومه احتياطا‏.‏ لنا قوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما ‏.‏

إشكالان‏.‏

الأول‏:‏ من شك في الفجر لا يأكل، ومن شك في رمضان لا يصوم؛ فما الفرق‏؟‏

الثاني أن القاعدة أن الفعل إذا دار بين الوجوب والندب فعل، كما أنه إذا دار بين التحريم والكراهة ترك، وهذا دار بين الوجوب والندب؛ لأنه إن كان من رمضان فواجب، أو إن كان من شعبان فمندوب‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن رمضان عبادة واحدة، وإنما الأكل بالليل رخصة؛ لقوله تعالى‏:‏ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ‏.‏ والضمير عائد على الجميع، والأصل في الليل الصوم وفي شعبان الفطر‏.‏ وعن الثاني أنه دائر بين التحريم والندب‏.‏ فيتعين الترك إجماعا؛ لأن النية الجازمة شرط وهي هاهنا متعذرة، وكل قربة بدون شرطها ففعلها حرام؛ فإن كان صومه من رمضان فهو حرام لعدم شرطه، أو من شعبان فهو مندوب، قال سند‏:‏ الظاهر أنه لا يكره الأكل فيه، وكرهه عبد الوهاب مع الغيم،‏.‏‏.‏‏.‏ وإن صامه احتياطا ووافق رمضان لم يجزه عند مالك لعدم تعيين النية، خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏ على أصله في النية، ولا يكره صومه إذا وافق عادته، خلافا لبعض الشافعية؛ لقوله في أبي داود‏:‏ لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا بيومين، إلا أن يكون صوما يصومه رجل فليصم ذلك، ولا يكره صومه تطوعا، خلافا لمحمد ابن مسلمة لجزم النية، والنهي إنما ورد أن يكون من رمضان لعدم الجزم، وقال أبو الطاهر‏:‏ صومه تطوعا مكروه لموافقة أهل البدع، وصومه احتياطا منهي عنه على نصوص المذهب، واستقرأ اللخمي وجوبه من أحد القولين في وجوب الإمساك على من شك في طلوع الفجر، وفي أحد الأقوال في الحائض تتجاوز عادتها تصوم وتقضي، قال‏:‏ وفيه نظر‏.‏

السادس‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا التبست الشهور على الأسير فصام شهرا يظنه رمضان إن صادف قبله لم يجزه؛ لكونه قبل سبب الوجوب كالظهر قبل الزوال، أو بعده أجزأه؛ لكونه قضاء كالظهر بعد الغروب، قال سند‏:‏ قال الباجي‏:‏ يتخرج الصوم بعده على القولين في إجزاء الأداء عن القضاء، كما لو مضت له شهور فكان صومه في شعبان، قال سحنون‏:‏ يقضي شهرا واحدا، وقيل‏:‏ الشهور كلها؛ لاختلاف الأئمة، قال‏:‏ والتخريج باطل، ولا يعرف خلاف في إجزاء الأداء عن القضاء، وإنما منع الإجزاء أنه لم ينو بالثاني قضاء الأول ولا أداءه، فلم ترتبط به النية فلا يجزئ، كما لو صلى الأعمى الظهر قبل الزوال أياما لم يكن الثاني قضاء عن الأول؛ لعدم ارتباطه به قضاء ولا أداء، وإنما قيل‏.‏‏.‏‏.‏ لمشقة الصوم‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ لو استمر الأسير سنين متوالية يصوم قبل، قضى الجميع على المشهور، قال سند‏:‏ فلو صادف شوالا أو ذا الحجة فإن كان رمضان ثلاثين وشوال ثلاثين قضى يوما، أو تسعة وعشرين قضى يومين، وإن كان رمضان تسعة وعشرين وشوال ثلاثين لم يقض شيئا، ولا يعيد في النحر ليوم النحر وأيام التشريق، ويعمل على ما تقدم، وألزمه بعض الشافعية قضاء يومين من شوال إن كان قضاء، أو يوما إن كان أداء، ولم يعتبر رمضان، وكذلك في النحر، وروي عن مالك‏:‏ من أفطر رمضان كله لعذر؛ قضى شهرا تاما، والشهر الأول؛ لقوله تعالى‏:‏ فعدة من أيام أخر ‏.‏ بخلاف من عليه نذر مطلق تناول لفظ الشهر من الهلال إلى الهلال، ولو لم يترجح عند الأسير شيء، قيل‏:‏ يصوم السنة، كمن نذر يوما ونسيه، فقيل‏:‏ يصوم الجمعة، وقيل‏:‏ ومن خفي عليه جهة القبلة صلى أربع صلوات، والحق ألا يلزمه شيء لعدم تحقق السبب، والفرق إن رمضان يجوز فطره للعذر، وهذا معذور حتى يطلع، والنذر لا يجوز فطره مع القدرة، وكذلك التوجه للبيت، ولو تحرى شهرا فلما قدم نسيه، قال ابن القاسم‏:‏ يعيد كل‏.‏‏.‏‏.‏ حتى يتيقن‏.‏ قال ابن الماجشون‏:‏ لا شيء عليه؛ لأنه فعل ما يقدر عليه‏.‏

الثالث‏:‏ في حقيقته

وهي الإمساك عن دخول كل ‏(‏ما‏)‏ يمكن الاحتراز منه غالبا من المنافذ المحسوسة كالفم والأنف والأذن إلى المعدة، والإخراج كالجماع والاستمتاع والاستقاء على الخلاف، وما يجري في ذلك يكون في أحد عشر فرعا‏:‏

الأول في الكتاب‏:‏ القبلة، والمباشرة، وفي الصحيح‏:‏ كان - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم، ثم تقول‏:‏ ‏(‏وأيكم أملك‏)‏ لنفسه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويروى أربه - بفتح الألف وبكسر الألف وسكون الراء - وقال الخطابي‏:‏ وكلاهما حاجة النفس‏.‏

قال سند‏:‏ وخصص ‏(‏ح وش‏)‏ والقاضي الحرمة بمن تحرك القبلة شهوته، والمذهب التسوية كالاعتكاف والإحرام، والكراهة تحريم ‏(‏عند‏)‏ القاضي، وتنزيه عند غيره، فإن أنزل، ففي الكتاب‏:‏ عليه القضاء والكفارة، وأسقط الكفارة ‏(‏ش وح‏)‏ لقصوره عن الجماع‏.‏‏.‏‏.‏ على قصد الإفساد‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ لو باشر فأمذى أو أنعظ أو التذ فعليه القضاء، وإلا فلا، وأسقط ‏(‏ح وش‏)‏ القضاء في المذي؛ لكونه كالبول لإيجاب الوضوء، والإجماع على عدم إيجابه الكفارة‏.‏

وجوابه القياس على المني بجامع اللذة، وأما عدم الكفارة فلأن سنتها قصد الإفساد ولم يوجد، قال سند‏:‏ ظاهر المذهب وجوب القضاء، وقيل‏:‏ يستحب؛ لأنه لا يعلم خلاف في عدم تحريم المباشرة للإنسان امرأته بعد الفجر؛ فلو نظر بلذة فأنزل، قال مالك‏:‏ عليه القضاء دون الكفارة، قال ابن القاسم‏:‏ إلا أن يديم النظر بلذة فعليه الكفارة‏.‏ وقال اللخمي‏:‏ عليه الكفارة بإلانزال وإن لم يتابع كالقبلة، وأسقط ‏(‏ح وش‏)‏ القضاء والكفارة فلو نظر من غير قصد فأمذى، قال مالك‏:‏ عليه القضاء، وأسقطه ابن حبيب إذا التذ وأوجبه إذا أمذى، ولو تذكر فأمذى فعليه القضاء عند ابن القاسم، وفي الجواهر‏:‏ إذا لم يدم الفكر والنظر فلا شيء عليه، ويكره الإقدام عليه‏.‏

الثاني في الكتاب‏:‏ إن احتقن فعليه القضاء فقط وقاله الأئمة، وقال القاضي في الإشراف‏:‏ لا يفطر كما أن اللبن إذا وضع في الدبر لا يحرم‏.‏ لنا أن الحقنة في الأمعاء، والكبد تجذب من الأمعاء كما تجذب من المعدة فتفطر، وأما الإرضاع فلأن الحكم متعلق بوصفه‏.‏‏.‏‏.‏ نية؛ لأن اللبن لو استهلك بطعام لا يحرم مع إغذائه‏.‏

الثالث‏:‏ كره في الكتاب‏:‏ السعوط، وقال إذا وصل الكحل في العين أو الدهن في الأذن إلى الحلق فعليه القضاء فقط، وإلا فلا شيء عليه‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ إذا وجد طعم الدهن الموضوع على رأسه في حلقه أفطر، وقال أبو مصعب‏:‏ لا يفطر بالكحل، وكرهه ابن القاسم من غير تفصيل، قال سند‏:‏ يكره كل ما لا يؤمن وصوله إلى الجوف، ولا يفطر ما وصل إلى الدماغ خلافا للأئمة محتجين بقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ وبالغ في الاستنشاق ما لم تكن صائما ‏.‏

وجوابه‏:‏ حذر الوصول إلى الجوف، ويعضده أن التحريم إنما يتناول شهوتي الفم والفرج؛ لقوله تعالى‏:‏ فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض ‏.‏ بقي ما عدا ذلك على الأصل، وإلا فالجسد يتغذى من خارجه بالدهن وغيره، ولا يفطر إجماعا‏.‏

الرابع‏:‏ من تبخر للدواء فوجد طعم الدخان في حلقه يقضي الصوم بمنزلة وجدان الكحل في العين في الحلق‏.‏ وقال محمد بن لبابة‏:‏ يكره استنشاق البخور، فإن فعل لم يفطر‏.‏ وفي التلقين يجب الإمساك عن الشموم ولم يفصل‏.‏ قال سند‏:‏ ولو حك الحنظل تحت ‏(‏قدميه‏)‏ فوجد طعمه في حلقه، أو قبض على الثلج فوجد بردا في جوفه لم يفطر، وأباح مطرف الكحل، وابن الماجشون الإثمد، وإذا قلنا بالقضاء فسوى أشهب بين الواجب بالنذر وغيره وبين التطوع، وخصصه ابن حبيب بالواجب، والمنع في جميع هذه الأشياء إنما هو بالنهار، أما إذا جعلت بالليل فلا يضر هبوطها بالنهار اعتبارا بما يقطر من الرأس من البلغم‏.‏

الخامس‏:‏ قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ لا أرى‏.‏‏.‏‏.‏ في الإحليل شيئا، ولا‏.‏‏.‏‏.‏ ووافقه ‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏‏.‏ لنا أن الكبد لا يجذب من الذكر ولا من‏.‏‏.‏‏.‏ بخلاف الحقنة، وكذلك ذو الجائفة لا يصل إلى الكبد‏.‏

السادس‏:‏ كره في الكتاب الحجامة، فإن فعل وسلم فلا شيء عليه، وقاله ‏(‏ح وش‏)‏، وقال ابن حنبل‏:‏ يفطر الحاجم والمحجوم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم -‏:‏ أفطر الحاجم والمحجوم ‏.‏ وما في الصحيحين‏:‏ أنه - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم‏.‏ يحتمل الأول أنهما كانا يغتابان فسماهما مفطرين بذهاب الأجر، أو أن الحاجم وجد طعم الدم والمحجوم عجز عن الصوم، أو مر بهما آخر النهار فكأنه عذرهما أو دعا عليهما‏.‏

السابع‏:‏ كره في الكتاب ذوق الأطعمة، ووضع الدواء في الفم، ‏(‏ووضع العلك والطعام للصبي‏)‏ أو غيره‏.‏ قال سند‏:‏ فإن وجد طعمه في حلقه ولم يتيقن الازدراد فظاهر المذهب إفطاره خلافا للشافعية، وقاسوا الطعم على الرائحة، والفرق أن الرائحة لا تستصحب من الجسم شيئا بخلاف الطعم‏.‏

السابع‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا بلع فلقة حبة بين أسنانه أو عبر حلقه ذباب لا يضره لتعذر الاحتراز من ذلك، وقاله ‏(‏ش وح‏)‏، قال سند‏:‏ وفطره سحنون بالذباب، وأشهب بالفلقة، وفي كتاب ابن مصعب‏:‏ إن كان ساهيا فعليه القضاء، وإلا فالقضاء والكفارة‏.‏ ولا فرق بين السهو والعمد على المذهب؛ لأن الفم قد استهلك ما فيه فصار كالريق، وفطره ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏.‏

وأما الخبز المتميز واللحم فيفسد الصوم عنده‏.‏

الثامن‏:‏ قال سند‏:‏ فإن ابتلع ما لا يغذي كالحصاة، قال سحنون‏:‏ عليه الكفارة إن تعمده وإلا فالقضاء فقط؛ لأنه يثقل المعدة ويكسر سورة الجوع، وقال ابن القاسم‏:‏ لا شيء في سهوه، وفي عمده الكفارة، وقال الحسن بن صالح‏:‏ لا يفطر مطلقا؛ لأنه ليس طعاما ولا شرابا، وقال مالك‏:‏ يفطر، ولا يكفر مطلقا‏.‏ فهذه أربعة أقوال، وغبار الطريق لا يفطر لضرورة الملابسة، واختلف في غبار الدقيق لأهل صنعته فاعتبره أشهب، وألغاه ابن الماجشون وهو الأظهر، وفي الجواهر‏:‏ اختلف في غبار ‏(‏الجباسين‏)‏ أولى بعدم الافطار 0

التاسع‏:‏ في الكتاب‏:‏ إن سبقه القيء فلا شيء عليه، وإن تقيأ فعليه القضاء - وقاله الأئمة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في أبي داود‏:‏ من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء، وإن استقا فليقض ‏.‏ والفرق أن الاستقاء يتعلق باللهوات، ثم يرجع فيصير كالأكل مختارا، وفي الجلاب‏:‏ القضاء مستحب؛ لأنه لو كان في‏.‏‏.‏‏.‏ لاستوى مختاره، وغالبه كالأكل والجماع إذا أكره عليهما، والفرق ما للنفس فيهما من الحظ بخلافه‏.‏‏.‏‏.‏ بشهوتي الفم والفرج، قال سند‏:‏ وأوجب ابن الماجشون في عمده الكفارة، وهذا الخلاف إذا لم يزدرد منه شيئا، أما لو ازدرد متعمدا، قال سحنون‏:‏ عليه الكفارة كان بلغما أو طعاما‏.‏

والخلاف هاهنا مثل الخلاف في العلقة يبتلعها، وفي الجواهر‏:‏ روى أبو أويس‏:‏ عليه القضاء وإن لم يزدرد شيئا‏.‏ قال سند‏:‏ والفرق بين ذرع القيء من علة أو امتلاء قليله أو كثيره تغير أم لا‏.‏ والقلس كالقيء وهو ما يصعد من فم المعدة عند امتلائها‏.‏ فإن بلغ إلى فيه فأمكن طرحه ولم يفعل، قال مالك‏:‏ لا قضاء عليه، وقال ابن حبيب‏:‏ عليه القضاء في سهوه، والكفارة في جهله وعمده، ورجع مالك إلى القضاء‏.‏ فإن خرج البلغم من الصدر أو الرأس بالتنخم‏.‏‏.‏‏.‏ من طرف لسانه، قال سحنون‏:‏ عليه في سهوه القضاء، وأسقطه ابن حبيب إلحاقا بالريق، ولو جمع ريقه في فمه ثم بلعه، قال بعض الشافعية‏:‏ لا يفطر كقول ابن حبيب، وقال بعضهم‏:‏ يفطر كقول سحنون، وفي الجواهر‏:‏ لو ابتلع دما خرج من سنه قيل لا يفطر‏.‏

العاشر‏:‏ إذا سبقه الماء من المضمضة يقضي في الواجب دون التطوع، قال سند‏:‏ لا تكره المضمضة للحر والعطش ولا لغير ذلك، وإنما تكره المبالغة، والفرق بينها وبين مداواة الحفر‏:‏ أن الماء لا يعلق بخلاف الدواء، وكره مالك غمس الرأس في الماء للتغرير بالدخول في الأنف أو الفم، فإن غلبه قال أشهب‏:‏ يقضي في الواجب‏.‏

الحادي عشر‏:‏ في الكتاب‏:‏ يستاك في جملة النهار إلا بالأخضر، وقاله ‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ يكره بعد الزوال؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ يقول الله تعالى‏:‏ الصوم لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ‏.‏ والخلوف - بضم الخاء - تغير رائحة الفم بعد الأكل، فلا يزال ما مدحه الله بالسواك، وقياس‏.‏‏.‏‏.‏ بجامع أثر العبادة‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن مدحه يدل على فضيلته لا على أفضليته على غيره، ولأن الوتر أفضل من الفجر مع قوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ‏.‏ وكم من عبادة أثنى الشرع عليها مع فضل غيرها عليها‏.‏ وهذه المسألة من قاعدة ازدحام المصالح التي يتعذر الجمع بينها، فالسواك لإجلال الرب تعالى حالة خطابه في الصلاة؛ لأن تطهير الأفواه لمخاطبة العظماء تعظيما لهم، والخلوف مناف لذلك فيقدم السواك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة معناه لأوجبته‏.‏ وهو يدل على أن مصلحته تصلح للإيجاب، وانتفاء الإيجاب للمشقة وهو عام في الصلوات، وليس في حديث الخلوف ما يخصصه لما تقدم، وقد قيل‏:‏ إن حديث الخلوف إنما كان نهيا عن ‏[‏عدم‏]‏ محادثة الصائم لأجله‏.‏

وعن الثاني‏:‏ الفرق بأن الشهيد غير مناج لربه، ولأنه جرحه أشد من الدم فلا يوثر زواله بل بقاؤه يوجب من ربه الرحمة له كما تقدم في الجنائز‏.‏

سؤال‏:‏ الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، فيعلم الخلوف منتنا فكيف يكون عنده أطيب من المسك‏؟‏

جوابه‏:‏ ليس المراد أن الخلفة طيبة، بل تشبيه الحسن الشرعي بالعرفي؛ أي‏:‏ هذا المنتن في نظر الشرع أفضل من ريح المسك عند الطبع، إما لصبر الصائم عليه، والصبر عمل صالح، أو للسبب فيه بالصوم الذي هو عمل صالح، وإلا فالخلوف ليس من كسبه حتى يمدح عليه أو يمدح في نفسه‏.‏

الرابع‏:‏ في آدابه

في الجواهر‏:‏ تعجيل الفطر عند الغروب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في مسلم‏:‏ لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ‏.‏ فلو أراد الوصال حكى اللخمي المنع والجواز واختاره إلى السحر، وكراهيته إلى الليلة القابلة‏.‏ قال - صلى الله عليه وسلم - في البخاري‏:‏ ولا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل إلى السحر، قالوا‏:‏ إنك تواصل، قال‏:‏ إني لست كهيئتكم؛ إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني ‏.‏

وتأخير السحور لما روى أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن ثابت تسحرا، فلما فرغا من سحورهما قام - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة، قيل لأنس‏:‏ كم كان فيها‏؟‏ قال قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية‏.‏

وكف اللسان عن الهذيان؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ إذا أصبح أحدكم يوما صائما فلا يرفث، ولا يجهل، فإن أحد شاتمه أو قاتله فليقل‏:‏ إني صائم ‏.‏ الرفث‏:‏ مباشرة النساء‏.‏

سؤال‏:‏ كيف يقول‏:‏ إني صائم؛ مع تحريم الرياء والتمدح بالطاعات‏؟‏

جوابه‏:‏ قيل معناه يقول بلسان الحال لا بالمقال، أي‏:‏ يعرض عنه إعراض الصائمين ولا يفهمه شيئا، وسمي ذلك قولا كما قالت العرب‏:‏ واشتكى إلي طول السرى‏.‏

قال سند‏:‏ وقال الشافعي‏:‏ يستحب الفطر على رطب؛ لما في أبي داود أنه - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ كان يفطر على رطبات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء ‏.‏ وكره مالك أن يعمل لأهل المسجد طعاما، وكره إجابتهم له لتحمل المنن والتوسل إلى المباهاة‏.‏

الخامس‏:‏ في مبيحات الفطر

وهي ستة‏:‏

الأول‏:‏ السفر، وفي الجواهر‏:‏ يشترط فيه مسافة القصر، فلو عزم على إقامة أربعة أيام، ففي الجلاب‏:‏ يجب الصوم، وفي الكتاب‏:‏ الصوم في السفر أفضل، وقاله ‏(‏ح وش‏)‏؛ لقوله تعالى‏:‏ وأن تصوموا خير لكم ‏.‏ والفرق بينه وبين القصر وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ أن الذمة تبقى مشغولة بالقضاء بخلاف القصر‏.‏ الثاني‏:‏ أن الترخيص لرفاهية العيد، وهي كما تحصل بالفطر تحصل بالصوم مع الناس، وروي عن مالك التخيير، واستحب ابن الماجشون وابن حنبل الإفطار؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -في أبي داود‏:‏ ليس من البر الصيام في السفر ‏.‏

وجوابه‏:‏ أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يظلل عليه والزحام عليه، فقال‏:‏ ما هذا - إشارة لهذه الحالة -‏؟‏

فإن قالوا‏:‏ النظر إلى عموم اللفظ لا إلى خصوص السبب‏.‏

قلنا‏:‏ العام في الأشخاص مطلق في الأحوال، ونحن نحمل الحالة المطلقة على حالة الضرر‏.‏

تمهيد‏:‏

الواجب على المسافر والمريض أحد الشهرين‏:‏ شهر الأداء أو شهر القضاء، وهو مخير في خصوصيتهما كما أوجبته إحدى الخصال في الكفارة وخير في الخصوصيات، فكل ما يجزئ كل واحد من الخصال وتوصف بالوجوب إذا فعلت تبرأ الذمة بها، فكذلك هاهنا؛ لأن أحد الأشياء قدر مشترك بينها وأعم من كل واحد منها، وكل واحد أخص، وكل من فعل الأخص فعل الأعم‏.‏

فروع ثلاثة‏:‏

الأول‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا أصبح صائما في الحضر ثم سافر لا أحب له الفطر، فإن فعل فالقضاء فقط - وقاله ‏(‏ح وش‏)‏؛ لقوله تعالى‏:‏ ثم أتموا الصيام إلى الليل - والأمر للوجوب‏.‏ قال سند‏:‏ قال القاضي أبو الحسن‏:‏ يحمل على الكراهة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح خرج صائما، فلما بلغ كراع الغميم أفطر؛ ولأنه عذر يبيح الفطر في أول اليوم فيبيح في آخره كالمرض‏.‏ وقال المغيرة‏:‏ يكفر لوجوب أوله في الحضر، فإن أفطر قبل الخروج إلى السفر، قال مالك‏:‏ عليه الكفارة، وأسقطها ابن القاسم؛ لأن أنسا - رضي الله عنه - كان يفعل ذلك، وأوجبها ابن الماجشون إن لم يسافر، وأسقطها أشهب مطلقا لعدم انتهاك صوم معصوم إجماعا‏.‏

الثاني‏:‏ في الكتاب‏:‏ من صام في السفر فأفطر متعمدا من غير عذر فعليه الكفارة؛ لأن الله تعالى خير العبد بين الفطر والصوم، فأيهما اختار لزمه أحكامه، ومن أحكام الصوم الكفارة على الإفساد، وفي الجواهر‏:‏ روي عن مالك عدم الكفارة؛ لأن وصف السفر مبيح للإفطار فيكون شبهة عند طرو المانع في عدم الكفارة، كالذمي كان مباح ‏(‏الدم‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ لا يقتل به المسلم، والأمة مباحة الوطء فإذا وطئها السيد بعد زواجها لا حدّ، وأوجبها ابن الماجشون في الجماع دون غيره؛ لأن الإفطار شرع للتقوية على السفر والجماع يضعف‏.‏ قال سند‏:‏ وقال مطرف‏:‏ هو مخير‏.‏‏.‏‏.‏ بعد الشروع؛ لما في الموطأ‏:‏ أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس بالإفطار عام الفتح؛ ليتقووا على عدوهم؛ وصام هو - صلى الله عليه وسلم -‏.‏ قيل له‏:‏ إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت، قال‏:‏ فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكديد دعا بقدح فشرب؛ فأفطر الناس‏.‏

وإذا قلنا‏:‏ يكفر، فروى ابن القاسم ولو كان متأولا، ولم يره أشهب، وإن أفطر لعذر فأكل وشرب فلا شيء عليه وإن جامع بعد ذلك، وإن جامع أولا، قال مالك‏:‏ يكفر؛ لأنه يزيده ضعفا وأورده على صوم محترم، وقال مطرف‏:‏ فلا يكفر نظرا للتخير، فلو شرب لعذر لم يكره له التمادي على أنواع المفطرات عند سحنون كالمريض، ومنع ابن حبيب كالمضطر إلى الميتة‏.‏

الثالث‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا أصبح صائما في السفر فأتى أهله فأفطر، فعليه القضاء والكفارة، ولو تطوع فسافر فأفطر قضى إلا أن يضطر إليه؛ لقوله تعالى‏:‏ ولا تبطلوا أعمالكم ‏.‏ وفي الجلاب عن مالك‏:‏ لا قضاء عليه، وطرو السفر كطرو المرض‏.‏

المبيح الثاني‏:‏ الإكراه، وفي الكتاب‏:‏ من أكره على الشرب عليه القضاء فقط، وقاله ‏(‏ح‏)‏ وأسقطه ‏(‏ش‏)‏، وفعل به ذلك قياسا على ذرع القيء، واختلف قوله‏:‏ إذا باشره، وأسقطه ابن حنبل إلا بالجماع‏.‏ قال سند‏:‏ قال مالك‏:‏ إن جامعها نائمة قضت، قال ابن حبيب‏:‏ في جميع ذلك الكفارة؛ لأنه أفسد صومين فيجب عليه كفارتان‏.‏ فإن أكره رجل على وطء امرأته، قال أكثر الأصحاب و‏(‏ح وش‏)‏‏:‏ لا كفارة عليه، وقال ابن الماجشون وابن حنبل‏:‏ عليه؛ لأن الانتشار دليل الاختيار‏.‏

وجوابه‏:‏ أن الانتشار قد يكون بالطبع لا بالاختيار‏.‏

المبيح الثالث‏:‏ خوف المرضع على ولدها، في الكتاب‏:‏ إن لم يقبل غيرها أو قبله عجزت عن إجارته، أفطرت وأطعمت لكل يوم مسكينا مدا، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، قال سند‏:‏ قال ابن عبد الحكم‏:‏ لا إطعام عليها قياسا على المريض بجامع الإباحة‏.‏ لنا قوله تعالى‏:‏ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين قيل المراد بها المرضع، والحامل، والشيخ، وقيل‏:‏ تستحب؛ لقوله تعالى‏:‏ فمن شهد منكم الشهر فليصمه، وإن خافت على نفسها خاصة لم تطعم، وإن استأجرت فمن مالها دون الأب؛ لأن إرضاعه عليها، وقيل‏:‏ على الأب، وهذا إذا لم يطق، وإن كان للصبي مال فمن ماله، والإطعام خاص بصوم رمضان‏.‏ رواه ابن القاسم في النذر‏.‏

المبيح الرابع‏:‏ الخوف على الحمل، في الكتاب‏:‏ إن خافت على ولدها فأفطرت لا تطعم، وتقضي لأنها مريضة، وقاله ‏(‏ح‏)‏، وقال ابن حنبل‏:‏ تطعم، وقال أشهب‏:‏ تطعم استحبابا، وقال ابن الماجشون‏:‏ تطعم في الخوف على النفس دون الولد، قال اللخمي‏:‏ للحامل ثلاث حالات‏:‏ إن كانت أول الحمل ولا يجهدها الصوم لزمها الصيام، وإن كانت تخاف على ولدها من الصوم لزمها الفطر، وإن خافت على نفسها فقط فهي مخيرة، وحيث كان لها الفطر فأفطرت فعليها القضاء، وفي الإطعام أربعة أقوال‏:‏ الثلاثة السابقة، وقال أبو مصعب‏:‏ إن خافت على ولدها قبل ستة أشهر أطعمت، وإلا فلا؛ لأنها مريضة‏.‏

المبيح الخامس‏:‏ المرض، وقد تقدم تفصيله في الشروط، قال سند‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا أجهده الصداع من الخواء أفطر، وأجاز مالك من العطش الشديد من غير إطعام‏.‏

المبيح السادس‏:‏ الكبير العاجز عند مالك و‏(‏ش‏)‏؛ لأنه غير مطيق، ويطعم عند ‏(‏ح‏)‏؛ لأنه بدل من الصوم‏.‏

السادس‏:‏ في سبب الكفارة

وفي التلقين‏:‏ الكفارة كفارتان، صغرى لتأخير القضاء عن زمنه، وكبرى وهي لا تجب إلا لرمضان بتعمد إفطاره على وجه الهتك من غير عذر من جماع أو أكل أو غيرهما، أو رفض أو إمساك بعد الشروع أو عزم على تركه فلم يشرع فيه، وعلى كل معتقد لوجوبه من رجل أو امرأة لكل يوم كفارة، ولا يسقطها طرو العذر بعد ذلك، ولا يقدم التكفير في يوم عن يوم‏.‏

والأصل في ذلك ما في مسلم‏:‏ جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال‏:‏ هلكت يا رسول الله، قال‏:‏ وما أهلكك‏؟‏ قال‏:‏ وقعت على أهلي في رمضان، قال‏:‏ هل تجد ما تعتق به رقبة‏؟‏ قال‏:‏ لا قال‏:‏ فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا‏؟‏ قال‏:‏ لا، ثم جلس فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر، قال‏:‏ تصدق بهذا، فقال‏:‏ افقر منا، فما ‏(‏بين لابتيها أحوج إليه منا‏)‏‏!‏ فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال‏:‏ اذهب وأطعمه أهلك ‏.‏ زاد أبو داود بعرق فيه ‏(‏تمر قدره‏)‏ خمسة عشر صاعا، وقال‏:‏ صم واستغفر الله‏.‏ والعرق - بفتح الراء - الزنبيل ويروى بسكونها، وخالف الأصمعي فقال‏:‏ بل ذلك العظم عليه لحم‏.‏ واللابة الحجارة السود، فهو يشير إلى الجبال المحدقة بالمدينة‏.‏ وليس في قوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ أطعمه أهلك‏:‏ ما يوجب عدم وجوب الكفارة؛ خلافا للشافعي والنخعي؛ لأن الوجوب مستفاد من قوله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ تصدق بهذا‏.‏ ولما كان سد خلة الجوع مقدما على الكفارات أذن له في أكله، وتبقى الكفارة في ذمته، وليس في الحديث ما يبرئه ألبتة‏.‏

قاعدة‏:‏

إذا رتب الحكم عقب أوصاف مناسبة جعل مجموعها علة له، وإن كان بعضها ليس بمناسب اعتبر المناسب، وقد رتبت الكفارة عقب أوصاف غير مناسبة نحو كونه أعرابيا، ومناسبة وهو إفساد الصوم بالجماع، واعتبره الشافعي على القاعدة ولم يوجب الكفارة بالأكل ونحوه لقصوره على الجماع؛ لكونه لزم إفساد صومين في الواطئ، وفي الموطوءة بخلاف الآكل، واعتبرنا نحن وصف الإفساد الذي هو في الجماع وغيره؛ لأن التعليل بالعلة العامة أولى من الخاصة لكثرة فروعها، وبقي وصف مناسب لم يعتبره أحد فيما علمت هو كونه جماعا في الزوجة، وهو مناسب من جهة أنه الأكثر في الوجود فيكون العقاب الزجري عنه أولى‏.‏

فروع ثمانية‏:‏

الأول‏:‏ في الكتاب‏:‏ تجب الكفارة، والقضاء بمغيب الحشفة خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏ في القضاء - محتجا بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بالقضاء‏.‏ في رواية مسلم‏.‏

وجوابه‏:‏ أنه أمره في رواية الموطأ بالقضاء، قال سند‏:‏ وكذلك لو وطئ امرأته في دبرها أو فرج ميتة أو بهيمة، وقاله ‏(‏ش‏)‏ خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏؛ لأنه يوجب الغسل فيوجب الكفارة‏.‏

تنبيه‏:‏

قد تقدم في الطهارة إيجاب التقاء الختانين‏.‏‏.‏‏.‏ حكما‏.‏

الثاني‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا وطئها في يوم مرتين فكفارة واحدة، وقاله ‏(‏ح وش‏)‏؛ لأن الوطء الثاني لم يصادف صوما صحيحا فلا يوجب كفارة؛ لقصوره عن مورد الإجماع، قال ابن حنبل وبعض القرويين‏:‏ إن كفر عن الوطء الأول ثم وطئ، فكفارة أخرى قياسا على كفارة الفدية في الحج؛ فإنه إذا تطيب بعد إن تطيب وكان كفر عن الأول جدد الكفارة، وإلا فكفارة واحدة، وقياسه على الوطء الأول بجامع التحريم‏.‏

الثالث‏:‏ في الكتاب‏:‏ إن أكره امرأته على الوطء في رمضان عليه كفارتان عنه وعنها، وكذلك يهدي عنها في الحج؛ لأنه أفسد صومين وحجين، وعلى كل واحد منهما القضاء عن نفسه، قال سند‏:‏ وروي عن مالك عليه كفارة واحدة عنه - وقاله الأئمة؛ لأن الوجوب عليه فرع الوجوب عليها، ولا يجب عليها فلا يجب عليه‏.‏

وجوابه‏:‏ أنه لم يكفر بطريق النيابة بل بفعله سبب الكفارتين، وهذا مختلف فيه عندنا، وإذا قلنا بطريق النيابة فكل ما لا يصح كفارة عنها لا يكفر عنها، نحو الأمة لا يكفر عنها بالعتق، قال صاحب النكت‏:‏ بل بالإطعام؛ لأن الولاء لا يثبت والصوم لا يدخله النيابة، ولو أطاعت الأمة السيد كفر عنها؛ لأن السيادة كالإكراه، وكذلك‏.‏‏.‏‏.‏ وطء السيد وإن أطاعته، قال بعض القرويين‏:‏ وإذا أكره زوجته وعجز عن التكفير فكفرت من مالها بالإطعام، رجعت عليه بالأقل من مكيله أو الثمن الذي اشترى به الطعام أو قيمة العتق؛ لأن الواجب عليه أحدها، بخلاف الحميل بالطعام‏.‏‏.‏‏.‏ فيما تحمل به، يرجع بالثمن فقط لأنهما دخلا على ذلك، ولو كان مكان الحميل أجنبي رجع بالأقل من الثمن أو القيمة أو المثل إن كان طعاما كالزوجة‏.‏

الرابع‏:‏ قال سند‏:‏ لو طلع الفجر عليه مولجا فنزع، قال ابن القاسم و‏(‏ح وش‏)‏‏:‏ لا شيء عليه؛ لأن النزع ترك للجماع وليس بجماع، كما لو حلف ألا يدخل الدار، وهو فيها فخرج، أو لا يركب الدابة فنزل، فلا حنث عليه‏.‏ وقال ابن الماجشون وابن حنبل‏:‏ يقضى؛ لما فيه من اللذة، فلو تمادى، قال عبد الوهاب و‏(‏ح‏)‏‏:‏ بالقضاء فقط، وقال ابن القصار و‏(‏ش‏)‏‏:‏ بالقضاء والكفارة‏.‏ وكذلك لو ابتدأ الإيلاج حال طلوع الفجر فلا تجب الكفارة؛ لأنه لم يدخل في الصوم فلم يطرأ الجماع على صوم وإنما منع انعقاده، وقيل‏:‏ يجب؛ لأن حديث الأعرابي لا تفصيل فيه؛ فلو لم يعلم بالفجر حين طلوعه وهو يولج، ثم تبين له فلم ينزع، فإن قلنا‏:‏ لا كفارة على الناسي، لا كفارة هاهنا إلا أن يفعله منتهكا‏.‏

الخامس‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا نوى الفطر نهار رمضان عليه القضاء والكفارة - ولو نوى قبل الشمس، قال سند‏:‏ قال ابن الماجشون‏:‏ إن سها عن الصوم وسط الشهر لا شيء عليه بخلاف أوله؛ لاستصحاب النية بخلاف العمد، والمذهب التسوية؛ لاندفاع النية الحكمية بضدها، وخالف أشهب و‏(‏ح وش‏)‏ في الكفارة؛ لأنه لم يعقد صوما فيفسد كمن لم يحرم بالحج أو الصلاة وجامع، والفرق تعيين الزمان له بخلافها، فإن نوى الفطر في أثناء النهار فمذهب الكتاب عليه القضاء، وأسقطه ابن حبيب، واستحبه سحنون، بخلاف من بيت الفطر؛ لأن النية لغير فعل ملغاة كالحج والعمرة، قال صاحب النكت‏:‏ من رفض صيامه أو صلاته بطلت، بخلاف من رفض وضوءه أو حجه بعد كمالها أو في خلالهما، والفرق أن النية مرادة للتمييز، والحج والوضوء متميزان بمكانيهما المعينين لهما، والصلاة والصوم لم يعين لهما مكان، فكان احتياجهما للنية أقوى فأثر الرفض‏.‏

السادس‏:‏ في الكتاب‏:‏ من توقع في نهاره السفر أو المرض أو الجنون فأفطر، فعليه القضاء والكفارة - وإن طرأت المبيحات في ذلك النهار، وقاله ابن حنبل خلافا لـ ‏(‏ش‏)‏؛ لأنه انتهك حرمة الصوم قبل المبيح، وقيل‏:‏ تنتقض الكفارة عند طرو ‏[‏المبيحات‏]‏‏.‏

السابع‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا أكل ناسيا في رمضان أو غير عالم بالفجر فعليه القضاء، خلافا لـ ‏(‏ح وش‏)‏ في الأول، وسلم ‏(‏ش‏)‏ في الثاني، و‏(‏ح‏)‏ في سبق الاستنشاق بالماء‏.‏ لنا القياس على هذين الفرعين، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في مسلم‏:‏ من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ‏.‏ فظاهر تخصيص ذلك بالله تعالى يقتضي أن العمد لا مدخل لله فيه، وهذا يقتضي نفي الإثم لا نفي القضاء، فإن أفطر بعد ذلك متأولا، قال عبد الوهاب‏:‏ ‏(‏لا كفارة عليه‏)‏ -؛ قال سند‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ عليه الكفارة؛ لأن الجهل ليس بنافع؛ فلو أكل بعد ذلك أو جامع كفر عندنا، وقيل‏:‏ لا يكفر؛ لأنه لم يفسد معصوما، فلو طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل حتى طلع الفجر فأكلت لاعتقاد الجواز لم تكفر؛ لأنه شبه إباحة، وكذلك من أصبح جنبا فظن بطلان صومه، وكذلك الذي يقدم من السفر ليلا فيظن إن صومه لا يجزيه، وكذلك من سافر ميلين فظن أن سفره يبيح الفطر، ومن رأى هلال شوال نصف النهار فظن أنه يبيح الفطر‏.‏

الثامن‏:‏ في الجلاب‏:‏ تتعدد الكفارة بتعدد فساد الأيام عند مالك و‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إذا لم يكفر عن اليوم الأول فكفارة للجميع، واختلف قوله في التداخل إذا كفر عن الأول، وفي تداخل الرمضانين إذا لم يكفر عن الأول؛ لنا القياس على سائر الكفارات، وهو أولى من قياسه علىالحدود‏.‏

تمهيد‏:‏

التداخل في الشرع يقع في الطهارة مع الغسل، وفي العبادات كتحية المسجد‏.‏‏.‏‏.‏ مع الفرض، وصوم الاعتكاف مع رمضان، والعمرة مع الحج، وفي الحدود المماثلة في العدد على تفصيل يأتي، وفي الأموال كدخول دية الأطراف في دية النفس، والأخير في الأول كالفدية في الحج إذا اتحد السبب، والعارفان في الوسط كالوطء بالشبهة إذا استمر واتحدت الشبهة وكان حال المرأة في الوسط أفضل من المبدا والمنتهى، فيجب لها صداق المثل باعتبار الوسط، ولكن ظاهر المذهب يقتضي اعتبار الحالة الأولى مطلقا وصرح الشافعية بتنقل الصداق بتنقل الحالات، والقليل في الكثير مثل الطرف مع النفس، والكثير في القليل كالأطراف إذا اجتمعت مع السراية إلى النفس، واختلف في تداخل الكفارات كما تقدم‏.‏

السابع‏:‏ في المترتبات على الإفطار

وهي سبعة أحكام‏:‏

الحكم الأول‏:‏ الإمساك تشبيها بالصائمين، وفي الجواهر‏:‏ هو واجب على كل متعمد بالإفطار في شهر رمضان، أو ظان الإباحة مع عدمها، وغير واجب على من أبيح له إباحة حقيقية كالمريض يصح، والمسافر يقدم، والحائض تطهر في بقية النهار، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يجب قياسا على قيام البينة على رؤية الهلال‏.‏

وجوابه‏:‏ أن الأداء هاهنا معلوم في البعض، وتعلق الوجوب بالبعض الآخر محال، والخطاب ثمة متعلق بالكل، فيشترط الثبوت وقد ثبت فيجب، ومن أصبح يوم الشك مفطرا ثم تبين أنه من رمضان أمسك ولم يحك خلافا، وفي الجلاب‏:‏ إذا شهد على رمضان نهارا وجب الكف والقضاء، وظاهر التلقين متعارض غير أن نقل الخلاف أصرح، ثم قال في الجواهر‏:‏ أما الصبا والجنون والكفر إذا زالت لا يجب الإمساك، وقيل‏:‏ يجب في الكفر، وظاهر المدونة ما نقله ابن الجلاب، قال سند‏:‏ فلو أسلم الكافر، قال مالك‏:‏ يمسك؛ لكونه مخاطبا بفروع الشرع خلافا لأشهب، ولو بلغ الصبي بقي على حاله صائما أو مفطرا، ولو أفطر البالغ لعطش أباح له سحنون الأكل، ومنع ابن حبيب، وفرق بأن عذره يقتضي إفطاره ساعة بخلاف غيره‏.‏ ومنع بعض أصحابنا من وطء المسافر امرأته الطاهره النصرانية؛ لأنها مخاطبة بالصوم‏.‏

الحكم الثاني‏:‏ القضاء، وفي الجواهر‏:‏ يجب قضاء رمضان على كل مفسد للصوم أو تارك له بسفر أو مرض أو حيض أو إغماء أو سهو أو جنون، وقيل في الجنون‏:‏ ما لم تكثر السنون، وقيل‏:‏ ما لم يبلغ مجنونا، ولا يجب بالصبا أو الكفر أو عجز من الكبر، ولا يجب التتابع فيه‏:‏ ويستحب إذا شرع في قضاء يوم وجب عليه إتمامه وإن لم يكن على‏.‏‏.‏‏.‏ فإن أفطر متعمدا وجب قضاء الأصل، وفي قضاء القضاء قولان، والأصل في هذا قوله تعالى‏:‏ فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ‏.‏ أو يقال‏:‏ فرؤية الهلال سبب للوجوب، والأصل عدم الخروج عن عهدته إلا ما دل عليه الدليل، ويجب القضاء بالنذر بالإفطار عمدا أو نسيانا، ومع العذر أن كان غير معين، وإن كان معينا فقيل كذلك، وقيل‏:‏ لا يجب مع العذر دون النسيان، وقيل‏:‏ يجب إن كان المقصود اليوم لمعنى فيه، وعليه يخرج الخلاف في ناذر صوم يوم يقدم فلان فقدم نهارا، ففي الكتاب سقوطه خلافا لأشهب، وفي الكتاب‏:‏ يقضي في عشر ذي الحجة، قال سند‏:‏ جملة السنة وقت له إلا الفطر والنحر وأيام التشريق، واستحب عمر - رضي الله عنه - قضاء من العشر‏.‏ وفي أبي داود قال - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله في هذه الأيام يعني‏:‏ أيام العشر فإن قضى في يوم النحر لم يجزه؛ لأن النهي دليل الفساد، وكذلك أيام النحر الثلاثة، وفيها الخلاف المتقدم في الشروط، ولا يبتدئ القضاء في الرابع، وفيه خلاف وهو أخف من الثلاثة، ويجوز تأخيره إلى شعبان ويحرم بعده؛ لقول عائشة - رضي الله عنها -‏:‏ إن كانت إحدانا لتفطر في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما تقدر أن تقضيه مع الشغل به - صلى الله عليه وسلم - حتى يأتي شعبان‏.‏

قال اللخمي‏:‏ إذا لم يبق من شعبان إلا ما يسع التمتع وقضاء رمضان صام القضاء تغليبا لأصله، فإن وسعهما بدأ بالتمتع عند مالك في الكتاب، وخيره أشهب، ويكره التطوع قبله عند مالك، ووسع فيه ابن حبيب‏.‏

وإن مات، وعليه صيام لم يصم عنه أحد - وصى به أم لا عند مالك و‏(‏ح‏)‏، ومشهور ‏(‏ش‏)‏، خلافا لابن حنبل في النذر، وفي مسلم قال - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ من مات وعليه صوم صام عنه وليه ‏.‏

وجوابه‏:‏ صرفه عن ظاهره؛ لقوله تعالى‏:‏ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ‏.‏ فيحمل على أن يفعل ما ينوب مناب الصوم من الصدقة والدعاء، وفي الموطأ‏:‏ كان ابن عمر - رضي الله عنه - يقول‏:‏ لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد، وقياسا على الجهاد والصلاة في حالة الحياة‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ إن شرع في قضاء يوم، ثم تبين له أنه قضاه لا يجوز له فطره؛ لأن أقل أحواله أن يكون نفلا، وقال أشهب‏:‏ لا أحبه، فإن فعل فلا شيء عليه‏.‏ وفي الكتاب‏:‏ إن أكل في يوم القضاء أحب إلي إتمامه ويجوز فطره، قال سند‏:‏ وإن أكل فيه عامدا لم يستحب له الإمساك، وكذلك النذر المطلق؛ لأن الإمساك لحرمة الوقت‏.‏

الحكم الثالث‏:‏ الإطعام، وفي الجواهر‏:‏ لوجوبه ثلاثة أسباب‏:‏ فوات فضيلة الوقت كالحامل والمرضع، وبدل من الصوم كالشيخ والعاجز، وتأخير القضاء عن وقته مع الإمكان، وفي الكتاب‏:‏ من فرط في القضاء وأوصى أن يطعم عنه مد لكل يوم، مقدم عن الوصايا لوجوبه، مؤخر عن الزكاة؛ لأنها مجمع عليها، ولم يقف وجوبها على تبيين من المكلف، قال سند‏:‏ إن مات قبل التمكن من القضاء، أو تمكن ومات في السنة فلا إطعام خلافا ‏(‏لـ ش‏)‏ في القسم الثاني، محتجا بقوله تعالى‏:‏ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين ‏.‏ وهذا مطيق‏.‏

وجوابه‏:‏ أنه في صوم رمضان لا في قضائه سلمناه، لكن الإطعام كفارة لترك الواجب، ولا يتعين إلا بخروج جملة الوقت، قال‏:‏ فإن مضى من شعبان يوم ترتب إطعام يوم، فإن مرض في بقية شعبان لم يجب عليه غير ذلك، فإن صح أياما وجب عليه بعددها، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يجب؛ لقوله تعالى‏:‏ فعدة من أيام أخر - من غير تقييد فيعم العمر لا تقييده بالسنة، لكن خروجها يقتضي ‏[‏بقاء‏]‏ صيامه في الذمة كالصلاة بعد الوقت لا غير‏.‏

وجوابه‏:‏ أن ابن عمر وابن عباس، وأبا هريرة - رضي الله عنهم - كانوا يقولون بذلك من غير نكير، فكان إجماعا وقياسا على المرضع والشيخ عندنا إذا أخره سنين لم تجب إلا كفارة واحدة، خلافا لبعض الشافعية قياسا على كفارة الإفساد‏.‏

ويقدم الإطعام على النذر؛ لأن سببه مقدم في الشرع، ويؤخر عن كفارة‏.‏‏.‏‏.‏؛ لأنه مسبب عن القضاء وهي عن الأداء‏.‏ و‏.‏‏.‏‏.‏ إفطارا بموضع مقدم عليه لذلك، وهو وهادي المتعة سواء، فإن لم يوص به لا يلزم الورثة، خلافا ‏(‏لـ ش‏)‏ وإحدى الروايتين عن مالك، وأنكرها ابن أبي زيد؛ لأنه قد يخرجه ولا يعلمون، أو يحمله أحد عنه؛ لأنه مفتقر إلى النية ولم ينو، والإطعام مد، ومد العيش كسائر الكفارات، وقال أشهب‏:‏ يخرج في غير المدونة مدا، قال الباجي‏:‏ هو استحباب، ويطعم عند ابن القاسم في الكتاب مع القضاء - كالهدي مع حج القضاء، وقال أشهب‏:‏ لا تقييد لتحقق سببه، وإذا فرعنا على الثاني وأطعم لليوم الأول مسكينا، ثم فرط الثاني من شعبان فلم يصمه، جاز له أن يطعم المسكين الأول؛ لأنه سبب طرأ بعد الفراغ من الأول، فإن لم يكفر عن الأول ‏[‏لم يجز‏]‏ الدفع له على الاختلاف في اجتماع الكفارات، فلو عزم على التأخير فأطعم قبله لم يجزه عند أشهب لعدم السبب‏.‏

الحكم الرابع في الكفارة، وفي الجواهر‏:‏ اختلف الأصحاب‏:‏ هل هي متنوعة‏؟‏ - وهو الصحيح، أو مختصة بالإطعام؛ لقوله في الكتاب‏:‏ لا يعرف مالك غير الإطعام‏؟‏ قال صاحب التنبيهات‏:‏ وهذا التأويل خلاف الإجماع، بل ذلك محمول على الأفضل‏.‏

النوع الأول‏:‏ عتق رقبة مؤمنة كاملة غير ملفقة سليمة من الاستحقاق بوجه‏.‏

النوع الثاني‏:‏ صوم شهرين متتابعين؛ لأن التتابع وقع في بعض روايات الحديث، وقياسا على كفارة القتل‏.‏

النوع الثالث‏:‏ إطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مد بمده - صلى الله عليه وسلم -‏.‏ وخير أشهب بينه وبين الغداء والعشاء‏.‏ وإذا فرعنا على المشهور فالإطعام يعمها للحديث السابق في خبرها، وقيل‏:‏ يختص بغير الجماع؛ لأن العتق والصيام وردا في الجماع فيختص بهما، والإطعام إنما ورد في المطيق للآية، والإطعام أفضل على المشهور لعموم نفعه لا سيما في الشدائد، وقيل‏:‏ العتق أفضل، وقال المتأخرون‏:‏ يختلف ذلك باختلاف الأحوال، وتستقر الكفارة في الذمة عند العجز‏.‏

وقال مالك‏:‏ هي على التخيير؛ لأن الحديث رواه أبو هريرة بصيغة أو - وهي للتخيير، وقياسا على كفارة اليمين، وقالت الأئمة على الترتيب، وهو أحد القولين عندنا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - في مسلم لم يوجب عليه خصلة إلا بعد أن‏.‏‏.‏‏.‏ وقياسا على كفارة القتل والظهار‏.‏

وجوابه‏:‏ أن الذي في الحديث استفهام وليس بشرط، وفي الجلاب‏:‏ إذا أطعم ثلاثين مسكينا مدين مدين في يوم عن كفارة، جاز أن يطعمهم في يوم آخر عن كفارة أخرى‏.‏

سؤال‏:‏ المقصود من الإطعام هو أحد الجانبين وسد خلة المساكين، وهما حاصلان بإطعام مسكين ذلك الطعام في ستين يوما لسد ستين خلة، فما الفرق‏؟‏

جوابه‏:‏ أن الجماعة يمكن أن يكون فيهم ولي أو أولياء لله تعالى فيكون إطعامهم أفضل، ولأنه يرجى من دعائهم ما لا يرجى من دعاء الواحد، أصله الصلاة على الجنازة، ولذلك أوجب ‏(‏ش‏)‏ في الزكاة الدفع للأصناف‏.‏

وقال اللخمي‏:‏ يقتضي المذهب الإجبار على الكفارة، ولا توكل إلى الأمانة؛ فمن ادعى إسقاطها لجهل أو تأويل لا يصدق، إلا أن يأتي بما يشبه، وقال‏.‏‏.‏‏.‏ القياس هي موكولة إلى الأمانة‏.‏

الحكم الخامس‏:‏ قال سند‏:‏ قال مالك‏:‏ العقوبة لمن تعمد الإفساد إن ظهر عليه ولم يأت مستفتيا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعاقب السائل، وكيلا يمتنع الناس عن الاستفتاء‏.‏

الحكم السادس‏:‏ في الجواهر‏:‏ قطع التتابع فيما يشترط فيه، فإن أفطر فيه لغير عذر أو عذر يمكنه دفعه كالسفر، فأما ما لا يمكنه من سهو أو مرض أو عدة أو حيض فلا، وفي الجلاب‏:‏ إن تعمد صيام ذي الحجة مع علمه بأيام التشريق لم يجزه، وإن جهل أفطر وبنى، ويستحب له الابتداء، ولو صام شعبان ورمضان لكفارته وفرضه قضى ثلاثة أشهر‏.‏

الحكم السابع‏:‏ قطع النية الحكمية، وفي الجواهر‏:‏ تنقطع بإفساد الصوم أو تركه على الإطلاق، ولعذر أو لغير عذر، أو بزوال التحتم كالسفر والمرض‏.‏